منذ أن اخترعت أمريكا تنظيم القاعدة، وهو يضرب في كل مكان، من دار السلام إلى مدريد إلى نيويورك، ولم يحدث وأن ضرب في تل أبيب، رغم أن رحلة الطائرات الإرهابية التي دكّت برجي نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر، كان يمكنها أن تُزيل تل أبيب من الوجود.
والغريب أن قائمة ضحايا القاعدة التي تقول أمريكا إنها عدوة إسرائيل تلوّنت بكل الجنسيات، من كل القارات، ومن كل الأديان والألوان، ولكنها لم تضم أي ضحية صهيوني ولو بإصابته بخدوش، ومنذ أن شغلتنا أمريكا بموقع "ويكيليكس" وهو يضرب في كل مكان، من الخليج إلى الشرق الأوسط، إلى شمال إفريقيا، إلى جزر الكناري، ولم يحدث أن ضرب في معاقل الدولة العبرية، رغم أن آلاف الوثائق الويكليكسية مكتوبة بحبر إسرائيلي، ورغم أن الصهاينة على مدار أزيد عن ستين سنة هم صانعو الحدث، حروبا واقتصادا وجوسسة، ووثائق ويكيليكس التي تحدثت عن الدومينيكان وترينيداد وطوباغو والسيشل، مازالت تُورّط كل العالم في وسخ الدنيا إلا إسرائيل، التي كما نجت من تفجيرات القاعدة ومن الأزمة الاقتصادية، ومن جنون البقر وجنون رعاة البقر ومن أنفلونزا الطيور والخنازير، هاهي الآن مجرد متفرج آمن في مشهد "ويكيليكس" الذي يقدّم مسرحيات مثيرة فيها الكثير من الحقيقة، ولكن ليس كل الحقيقة التي لا اسم لها سوى إسرائيل. ومعلوم أن إسرائيل منذ أن زُرعت على أرضنا سنة 1948، وهي تفرّق لأجل أن تسود، وتفتّن لأجل أن تعيش، فجعلت فلسطين أطيافاً وحركاتٍ وجعلت لبنان أحزاباً وتواريخَ، وهي الآن عبر وثائق "ويكيليكس" تزيد من الشرخ وتتمتع بردّات الفعل الوكيليكسية التي تكشف من هم من جلدتنا، ونحن كالعادة آخر من يعلم، وطبعا أول من يصدّق.
أمريكا تقول لكل العالم عبر وثائق وكيليكس إنها دون قيم و دون أخلاق، وصديق اليوم أو عبد اليوم حتى ولو بقي راكعا لجبروتها مسبحّا بقوتها فإنها بساديتها المعروفة لن ترحمه، وستكشفه لشعبه ولأصدقائه، وديبلومسيتها أعلنتها الآن صراحة أنها لم تبق للجوسسة وإنما لإعطاء الأوامر وتسيير بلاد العالم..
"ويكيليس" كشفت مساعدة بعض رجالات الجيش اللبناني لإسرائيل في حرب تموز، لأجل قتل أبناء المقاومة، و"وكيليكس" كشفت أن بعض صنّاع القرار في الخليج يعيشون شهور وأعوام عسل في البيت الإسرائيلي، و"وكيليكس" كشفت أن سفيرا جزائريا سابقا في الولايات المتحدة الأمريكية وديبلوماسيا مرموقا من عائلة مجيدة، قال لإسرائيل التي شغفته حبا "هيت لك"، و"ويكليكس" قالت إن أمراء المخزن متورطون في قصة غرام عنيفة مع إسرائيل، ومع اعترافنا بأن كل هذه التسريبات حقيقة، إلا أننا ـ كما نلاحظ ـ ليست كل الحقيقة، لأن إسرائيل هي دائما مجرد ضحية أو شاهد أو محبوب أو اسم من غير فاعل.