نهضت فزعة, وكأن شيئا ما قد أنتزع من داخلي ..عنوة !!
إحساس غريب انتابني بأني لست بخير.. وأني إنسانة أخرى!
شعرت بنفسي أخف وزنا, وأن قدمي لم تلامسا الأرض.. فأحنيت رأسي كي أتأكد,
وأنا أنظر لهما بعيني التي غلفهما ضباب كثيف وغشاوة, أعشت بصري فصرت
أرى الناس حولي وكأنهم مغلفون بأحجبة شفافة!!
للحظة.. لم أفقه ما حولي.. أو أين أنا !!؟
إرتبكت, وسرت رعشة في بدني الذي أحسسته خاويا!
تسارعت شرائط ذاكرتي المهزوزة, تتقلب أمامي.. تستحثني أن أعيد تسلسلها!
وجه أمي المتعب .. وجلده المتغضن الناعم وأنا أقبله قبل أن أخرج
لأستلم وظيفتي دعاؤها الملهوف لي أن يوفقني الله ويبعد عني السوء..
وتلك النظرة الحانية من عينيها, المترقرقتين بدمعة خفية, لاتردني أن أراها
وهي تشيعني حين خرجت من البيت.
الشارع وزحمة المرور الخانقة .. وأكوام من الوجوه المتعبة..
دقات قلبي المتسارعة خوفا من وصولي متأخرة في أول يوم لدوامي..
وفرحتي اللامتناهية حين وطأت رجلي المعهد الفني الذي عينت فيه.
وهاهو مكتبي أمامي وأنا أجلس خلفه, مغتبطة.. أنتظر أن تعينني إحدى الزميلات,
بترتيب أبجدية العمل, وكيفيته.
بعدها.. لم أدر ما حدث!!
كل شيء تناثر, وتطاير في الهواء.. حتى أنا!!
كان الإنفجار سريعا. مهولا!!
مثل لمح البصر
أذكر أني طرت مع الكرسي الذي أجلس عليه!!د
أذكر السقف وهو ينهار فوق رؤوسنا
أذكر الصرخات المدوية التي تردد صداها, بعد لحظة الصدمة !
صرخات الناجين
أنات المثخنين بالجراح
وأني توجعت كثيرا حتى ضاقت أنفاسي, ولم يعد قلبي يستوعب الألم..
فغبت عن الوعي!
لكن..!!
كيف تلاشى طوفان كل ذاك الوجع.. أين اختفى!!؟
مابالي لاأحس بجراحي!!!؟
ما بالي لا أتوجع!!؟
أين كل تلك الدماء التي أحسست بها وهي تنهمر من رأسي ,
حين ارتطمت بالجدار, قبل أن أفقد الإحساس بالزمان والمكان.. والألم!!؟
وماهذا الطنين المخيف الذي أسمعه خلفي !!؟
ارتعشت أوصالي خوفا
أدرت رأسي بسرعة.. أنظر بهلع نحو جهاز مؤشرات الحياة, وهو يطن بقوة,
واصرار. صعقني منظر تلك الخطوط الثلاث المستقيمة, المتوازية..
كأنها وحش كاسر.. وهي ترتسم على شاشته!
وبالقرب منه
رأيت جسدي المشظى.. يرقد بلا حراك.. مسجى على سرير المشفى..
يسبح ببركة من دمائي القانية.
1