القبقاب
بقلم : سمير الفيل
للصوت دور في حياتي ، فهو يعيد لنا الصورة بإيقاع مدو. وله اندفاعات مرهقة لحوحة.
اكتشفت القبقاب في سن صغيرة . ينتعل الشخص قطعتين خشبيتين ، ويسير فإذا الدنيا كلها تسمعه. بالطبع هناك مبالغة في الأمر . يكفي أن يتصنت الشارع على وقع الخطا.
كان القبقاب يدق دقات قوية في الهزيع الأخير من الليل ، ومع ضوء الفجر المغبش حين يخرج العجائز للوضوء في الجوامع التي يصلون فيها .
كان في بيتنا قبقاب كبير ، يتداوله أخوة ثلاثة . لم يكن أحد منا يذهب للصلاة به . يقف عند باب الحمام ، ومن يدخل لقضاء الحاجة أو الاستحمام في طست النحاس عليه أن يركبه.
القبقاب له سير من المطاط الأسود ، مثبت بمسامير غائرة في الخشب . له استخدامات متعددة ، منها تأديب المارقين في الأسرة بالضرب به في أماكن غير حساسة مع ارتكاب أقل هفوة .
اكتسب القبقاب سمعة سيئة في طفولتنا لكنه صمد رغم ذلك ، وظل في حيز الاستخدام حتى دخلت الجلود وعجينة البلاستيك في صناعة أخفاف لنفس الغرض .
بقيت دقات القبقاب تثير القلق داخل نفس ، ولقد أخفيت عنكم ما فعلته الجارة التي سكنت أول شارع البدري لأسباب احتفظ بها لنفسي ، وحان وقت ذيوع ما سترناه بالكتمان .
عشق زوجها النجار امرأة خليل الفران الذي كان يسرق الخبز في مكان سحري تحت البلاط . لما علمت بالأمر واجهته ، فأنكر ، ولطمها لطمة قوية على وجهها فانخرست .
بعد ليلتين اختبأت في بئر السلم حتى رأته يهبط متسحبا . في الظلمة هجمت عليه ، وضربته في رأسه فانبجست الدماء . هربت تحت جنح الظلام لبيتها دون أن يلمحها فقد كانت تضع " البيشة " على وجهها .
لما عاد ، طرق باب بيتهما مستنجدا بأولاد الحلال . سألته وهي تمصمص شفتيها : ما سبب البطح ؟
أخبرها الرجل ، وهو يمسح خيط الدم السائل : كنت أتوضأ فزلت قدمي ، وجرحتني بلاطة مقلقلة . وافقته المرأة على روايته ، وهي تعدل فردتي القبقاب عند باب الحمام بالضبط