نريد طالوت ملكا
انحرف بنو إسرائيل عن الإسلام الذي أمرهم الله باتباعه ، ولذلك سلط الله عليهم أعداءهم ، وجعلهم مغلوبين مطرودين من بلادهم ، ثم أرسل الله لهم نبيا بعد موسى عليه السلام ، فذهب قسم منهم إلى هذا النبي الجديد ، وقالوا له : يا رسولنا : أدع الله أن يبعث لنا ملكا علينا ، من أجل أن نحارب به الأعداء ، ونرجع إلى بلادنا .. ألا ترى أننا مستضعفون ؟ وقد يساعدنا هذا النبي على النصر ، هيا يا نبي الله ، أدع الله ، أدعه لنا !! هذا ما طلبوه وهم يعتقدون أن غياب القائد والملك هو السبب في هزيمتهم ..
هل تقاتلون ؟!
ولكن النبي كان يعرف أن نفوسهم قد تعودت على الذل والضعف ، فلقد عاش بينهم واستطاع أن يعرف حالهم .
فرد على قومه قائلا : إذا أنا دعوت الله لكم لكي يبعث عليكم ملكا تقاتلون معه في سبيل الله ، فإنكم – كما أراكم- قوم متخاذلون لا تريدون الحرب والجهاد ، فما الفائدة بأن يستجيب الله دعائي ، ثم تتركوا الملك الذي بعثه الله دون أن تقاتلوا معه ؟ أليس هذا حالكم يا قومي ؟ أليست مشاكلكم في ضعفكم .. لا في غياب ملك أو قائد ؟!
من الملك ؟
فقالوا له : كيف لا نحارب ولا نجاهد في سبيل الله ونحن على هذه الحال السيئة ..لا .. لا تخف يا نبي الله ، فنحن سنقاتل متى ما أتانا الملك ، ولن نتأخر ، ولن نتركه ولن نتراجع .
عند ذلك دعا لهم نبيهم الله تعالى أن يبعث لهم ملكا ، ولكن من سيكون الملك يا ترى ؟ من هذا الذي سيرسله الله تعالى ملكا على بني إسرائيل .. هاهو النبي يقول لهم : إن الله قد استجاب دعوتي وأرسل لكم ملكا ، اسمه (طالوت) وسوف تقاتلون معه .. وتكونون تحت رايته .
ذهول القوم
عندئذ تعجب القوم وقالوا : طالوت ؟!! كيف يصبح ملكا علينا ونحن أفضل منه ؟ وهو فقير ولا يملك المال ؟! ولا يعرف من أمور الملك ؟! فكيف سيكون ملكا ؟! إن هذا غير معقول .. لكن النبي أجابهم : إن رئاسة الجيش وزعامة الملك لا تحتاج إلى غنى .. وإن الله فضل طالوت عليكم في العلم والقوة .. وعندهم القدرة على أن يتسلم الملك .. وقد أختاره الله ليكون ملكا عليكم .. فهذا أمر الله .. فأطيعوا الله فيما طلبتموه ، بعد أن استجاب دعوة نبيكم .. لكنهم تولوا إلا قليل منهم .. والله أعلم بظلمهم لأنفسهم ..
الاستعداد للحرب
قال الذين رضوا به : إذا كان ملكا بأمر الله فنحن جنود للملك طالوت ، وذهبوا له وبايعوه ، واعترفوا به ملكا عليهم وأخذوا يستعدون للحرب ، فهاهو الملك ينظم الجيش .. وينتقي الأقوياء من القوم .. وعندما وصل الخبر إلى العدو ، جهز جيشه وأعد جنده .. وكان رئيس الجيش يدعى بـ ( جالوت ) وهكذا أصبح الجيشان على استعداد تام ، وعلى وشك بدء المعركة والدخول على الحرب .. فالله أعلم لمن ستكون الغلبة ؟؟؟
ستمرون بنهر
وفي كل جيش لابد من وجود أقوياء أشداء صابرون ، وقد أراد طالوت أن يعرف الصابرون من جيشه فقال ( والجنود قد أدركهم العطش الشديد ) أمام ( نهر ) يجري فيه الماء : إياكم والشرب منه ، فمن شرب فإنه ليس مني .. ولن نتمكن من مقاتلة الأعداء إذا شربنا .. فلا تشربوا ، واصبروا حتى نلاقي عدونا ، وإن الذي لا يعصي أمري فهذا المؤمن الذي سينصره الله .. وسار الجيش من بني إسرائيل مع ملكهم .. ووصلوا بعد مدة طويلة إلى النهر ..
قسمان
وهنا حصل ما كان يخشاه الملك ، أي أنهم عندما وصلوا النهر انقسم الجيش إلى قسمين : قسم كبير قد شرب ، ولم يطع الأمر الملكي .. وقسم آخر قليل .. صبر واحتسب وبقي على معاهدته .. فلم يعصه ولقد خارت قوة كل من شرب من النهر ، ولم يعد يطيق القتال ، وهذا ما حذرهم منه ملكهم .. و قائدهم ..
وهكذا عرف طالوت الصابرون الصادقون مع الله والجهاد في سبيل الله .. عرف الذين لا يهمهم العطش والتعب .. من غيرهم ..
إلتقاء الجيشان
وصل الجيش القليل المؤمن .. ممن بقي مع طالوت .. إلى مكان جيش العدو الذي كان يفوقهم بالقوة والسلاح والعدد ، وهاهو جالوت رئيس الكفار قد برز من بين أفراد جيشه ... وعندها !!! حدث انقسام جديد في الجيش المؤمن الصغير .. فلقد خاف أكثرهم من قوة العدو وقالوا : { لاطاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } ، ولا نستطيع محاربته مع جيشه الهائل ، ولكن الفئة القليلة الباقية صبرت فوق صبرها ، واستعدت للحرب وقالت : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله .. والله مع الصابرين }
من يبارز؟!
دعا الصابرون ربهم قائلين : { ربنا افرغ علينا صبرا ، وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين } ..
والتقى الجيشان .. وخرج رئيس الكفر .. جالوت وصرخ بصوته : من يبارز ؟ من يقاتل ؟ من منكم ياجيش طالوت يستطيع مبارزتي ؟ ... من ؟ ... من ؟
وأمام هذا الصوت المدوي .. ساد الصمت !! فمن سيخرج ياترى لمواجهة جالوت ؟ من سيخرج لزعيم الكفر في ذلك الوقت ؟! إنه ..........
إستئذان
خرج البطل المسلم المسمى بـ ( داوود) ، وذهب إلى ملكه طالوت ، وقال له يستأذنه : هل تأذن لي أن أخرج إلى جالوت الكافر ؟ فأنا لا أخاف من ضخامته وقوته .. فإن الله معي سيساعدني ؟ فاسمح لي أيها الملك أن أبارزه ؟ فأجاب الملك : إن مدرع محصن .. ويملك السلاح ..
فكر داوود وقال : إن الله معي سينصرني .. أرسلني إليه .. وسأقتله بهذا المقلاع ، الذي أحمله بيدي ..
إستهتار
وسمح الملك طالوت للبطل الصغير أن يذهب لملاقاة جالوت ، وماأن وصل الصغير المؤمن إلى العملاق الكافر .. حتى قال له : أين سلاحك ؟ أين سيفك ؟ من أرسلك ؟ .. تعال أطعنك طعنة صغيرة تموت بها .. فقال له داوود : لا .. أنا الذي سأقتلك بمقلاعي هذا .. وسيرى قومك الصالون من سينتصر .. فالله أقوى وأقدر .. والله اعلى وأكبر ..
هزيمة جالوت
مد داوود يده إلى جيبه وأخرج المقلاع ، وأخرج حجرا ووضعه في المقلاع ، وسدده نحو جالوت ، الذي ضحك منه ، ثم .. رماه .. وماهي إلا لحظات حتى سال الدم من ذلك الكافر .. وحجرا بعد حجر حتى خر صريعا ، وكتب الله بذلك النصر للمؤمنين وللملك طالوت ، وبعدها فر الجيش وطرده المؤمنون .. وسكنوا مكانهم الأرض المقدسة في فلسطين ..
داوود ملكا
بعد ذلك أحب الناس داوود .. وفرحوا بالنصر العظيم .. وعندما كبر آتاه الله العلم والحكم ، وجعله نبيا رسولا .. وأصبح داوود – عليه السلام – هو الملك .. وهو الرسول الذي أنزل عليه كتاب الزبور .... قال تعالى : { فهزموهم بإذن الله ,, وقتل داوود جالوت ،، وآتاه الله الملك والحكمة ،، وعلمه مما يشاء } ..
اللهم يارب الصابرين .. اجعلنا من الصابرين .. اللهم بارك لنا في أبطالنا وحكامنا من المسلمين ..وصلى الله وسلم على نبينا محمد .. وعلى آله وصحبه وسلم ..... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين