ماذا يجري في شهر رمضان ؟!
جنون !!!
قبل بداية هذا الشهر الكريم تجد الناس منكبين في مراكز بيع المستلزمات من أطعمة وأواني منزلية . الناس يتدافعون ويتزاحمون لشراء كل ما تقع عينهم عليه ! .
وبالرغم من غلاء الأسعار ، إلا أن فواتير الشراء خيالية وتجعلك تتصور هذه الأسرة التي تجر خلفها عربية ، أو أكثر ، مكدسة بجميع الأصناف والأنواع ، أنها مكونة من عشرات الأشخاص .. بينما هم رجل وامرأة وطفلين وخادمة نحيلة ! .
كل هذا يدفعك لتساؤل .. هل الناس جياع لهذه الدرجة حتى يشتروا كل هذه الأنواع في وقت واحد أم هو البذخ والترف وحب مجاراة الآخرين في عدد الأصناف التي تقدم على سفرة الطعام ثم ترمى بعد ذلك في سلة المهملات ؟! .
نذهب إلى المساجد ، نجدها خاوية على عروشها طوال السنة إلا في يوم الجمعة عندما يأتي الناس شاردين الذهن يصارعون النوم وهم يستمعون للخطبة ؛ لأنهم كانوا يوم أمس الخميس في سهرة لم تنفض إلا بعد طلوع الشمس ! . المساجد في رمضان تمر في مرحلة ازدهار وانتعاش .. فالناس يصلون ويتعبدون . ففي صلاة التراويح لا تجد لك مكانا ، ويلفت انتباهك البكاء والنحيب عندما يكون إمام المسجد حسن الصوت خاشعا متهجدا ! .
ولا أنسى الحديث عن صلاة الفجر وكيف الصفوف تتوالى بعدما كانت في الأيام العادية صفا وحدا .. وغالب المصلين (شيبان) يكحون وينعسون ! . أما صلاة المغرب ، فالهمة الهمة ! سباق محموم لظفر بالصفوف الأولى وفي بعض الأحياء المكتظة بالسكان يؤدي المصلين صلاتهم خارج حدود المسجد .
هذه (الطفرة الإيمانية) تتلاشى شيئا فشيئا حتى لا تجد أحدا في نهاية الشهر .. وتعود حليمة لعادتها (الشينة) القديمة ! .
عندما يبدأ شهر رمضان تجد الناس في هوس شديد لقطف مشهد من كل (مسلسل) ! . وهم بذلك يحضرون أنفسهم لأي سؤال يطرح عليهم : (ما شفت المسلسل الفلاني ؟!) فيقوم بتحليله بناء على حلقة عابرة .. فتجده ينظر ويتنقد ليوحي لك أنه ناقد متمكن عجز (الوسط الفني) عن ولادة أخ له ! .
وهذا الهوس يعود إلى الزخم التمثيلي الكبير الذي يقدم عليه المنتجين والممثلين ، فتجدهم يحرصون على انجاز الأعمال ومزاحمة بعضهم البعض في هذا الشهر ! . ولك أن تكلف نفسك قليلا ، وتهتك صومك لتشاهد (بعض) ما يقدم .. فستجد إسفافا عميقا بالطرح ولحم عاري يقدم لك الفكر والثقافة ومواضيع مملة ومكررة تعزز الفردية في المجتمع عبر بوابة المال ! .
ولرد هذا العدوان (الفضائي) نجد الدعاة ينشطون في مجالين اثنين ، الأول ، هو الدعاء على هذه الزمرة الفاسقة الفاجرة بالويل والثبور ! ولن يغيب مسلسل (طاش ما طاش) صاحب الجدل الأكبر كل عام عن الدعاء فلهم فيه نصيب الأسد .. حتى وإن لم يقدموا عملهم المذكور هذا العام ! .
النوع الثاني من الدعاة يتجه إلى المصدر نفسه ، الفضائيات ، ليقدم من هناك برامج دينية وتربوية كبديل عن الهبوط الخلقي الذي ينشط في شهر الطاعة والإيمان ! . ويحق لنا هنا أن نتساءل .. هل هذه القنوات عندما تفسح المجال أمام المتدينين للخروج بجوار (هز الوسط) هي بذلك تقدم لنا نموذجا عن التعددية والانفتاح الفكري والأيديولوجي أم هي تحرص على التكسب من أي باب .. سواء كان عبر اللحى والترهيب والترغيب أم عبر الجميلات المغريات في قالب تمثيلي هابط فنيا وموضوعيا ؟! .
في نهاية الشهر تتكشف الأمور شيئا فشيئا .. فيقل رواد المساجد ويكثر رواد الأسواق والمحلات التجارية ! . وكما قيل في بداية الشهر يقال في نهايته ولكن بطريقة أخرى .. الناس عرايا لا تغطيهم الملابس لذلك يشترون كما لم يشتروا من قبل ! .
في العشر الأواخر ، والشهر المبارك الكريم ينسحب مغادرا بهدوء يتراكم الناس فوق بعضهم ليشتروا أفخم الملابس وبأغلى الأثمان وهذا لا يتم بعجالة ، خاصة عند النساء ! حيث تقضى الواحد منهن العشر الأواخر أو الشهر كله من أجل أن تشتري قطعة واحدة تعجبها وفي يوم العيد تراها واجمة وأنفها منتفخ ويحتل مساحة وجهها كله .. والسبب (فستاني لم يعجبني ، فستان فلانة أفضل مني) !! .
والضالعين في البيع و الشراء يقولون لك كلاما عجيبا حول آخر يوم في رمضان . فبدلا من الجلوس في المنزل والاستعداد لصلاة العيد وزيارة الأهل والأقارب بوجه متوردة .. تجد الناس يهلكون أنفسهم فيدورن في الأسواق ، يشترون ويبدلون ما أخذوه قبل قليل إلى أن يرفع أذان الفجر ! .
د / نبيل الشهاب